أنشأ الصفحة ب'=== مفهوم الثقافة === الثقافة اصطلاحاً هي أسلوب الحياة إجمالاً ، أي هي النظام الاجتماعي وما له م...'
صفحة جديدة
=== مفهوم الثقافة ===
الثقافة اصطلاحاً هي أسلوب الحياة إجمالاً ، أي هي النظام الاجتماعي وما له من معتقدات وعادات . والتربية والتعليم هي واسطة من وسائط المحافظة على الثقافة وإيراثها من السَّلف إلى الخَلَف ، أي أن الثقافة هي ملك مشترك ، والتعليم ملك فردي .
وأرجع الدكتور منصور فهمي (1886 – 1959م) شيوع استعمال كلمة ثقافة ، إلى رغبة في إيجاد مقابل في لغتنا ، للكلمة الألمانية الاصطلاحية (( كولْتور )) ولكنه لم يقل أن هذه الكلمة لها معنى واضح محدود في اللغة الألمانية ، وأن هذا المعنى قد انتقل مع الكلمة إلى عدد من اللغات الأوروبية ، لوجود شبه في الاشتقاق بينهما .
=== مفهوم الثقافة العربية ===
والأمر على خلاف ذلك في اللغة العربية ، ففيها كلمة أصيلة ، لها معنى واضح على وجه الحقيقة ووجه المجاز ، ، ولا دخل للكلمة الألمانية ، ولا لمعناها فيه ، فلا الكلمة ولا معناها انتقلا إلى العربية ، وكل ما هنالك أن بعض من تعلموا لغات الغرب من العرب أخذوا يترجمون عنها ، وأن الترجمة لم تكن دائماً موفّقة ، وأن بعض التشويش الموجود عند كتّاب الانجليز مثلاً في استعمال كلمة (تعليم) و(تهذيب) و(مدنية) و(ثقافة) قد انتقل إلى اللغة العربية ، ويظهر هذا التشويش جلياً في بعض ما كتبه سلامة موسى (1888 – 1958م) ، فقد قال في كلمة نشرتها مجلة ( العصور ) إن الثقافة والمَدَنية نظيران ، وأن الحضارة تجمع الثقافة والمدَنية . ومثل ذلك ما كتبه الدكتور عبد الرحمن شهبندر (1879 – 1940م) : (( لا ثقافة يعتدُّ بها حيث لا حضارة )) . فالرأيان لا يثبتان بعد التحقيق والنَّظر .
ولكن لا بدّ لفهم تطوّر معنى كلمة ثقافة ، ووصوله إلى حالة الغموض والتشويش التي وصلها ، من البدء بالقاموس . ففي ( لسان العرب ) مثلاً قوله : ثَقُفَ الرجل ثَقافةً أي صار حاذقاً فطِناً ، وفيه أيضاً ثقّفه تثقيفاً أي قوَّم عِوجَه ، وأصل ذلك للرماح ، ثن أستعير فصار للتقويم الخلقي ، كما في قول السيدة عائشة تَصف أباها : (( وأقام أوَدَه بثِقافه )) .
أما القواميس الحديثة ، سواء منها ما ألّفه علماء من العرب كبطرس البستاني (1819 – 1883م) ، وسعيد الخوري الشرتوني (1849 – 1912م) ، وما ألّفه علماء من المستشرقين كراينهارت دوزي R.Dozy (1820 – 1883م) ، وأدورد وليم لين E.W.Lane (1801 – 1876م) فإنها تُجيز الاستعارة ، فتقول ثقَّف الولد تثقيفاً أي هذَّبَه وعلَّمه .
وهذا منشأ التعميم بعد التخصيص ؛ فالتثقيف ، والتهذيب ، والتأديب ، والتعليم ، والتربية ، أخذت تظهر في آثار الكتَّاب كأنها من المترادفات ، فزاد ذلك في التشويش وقلّة . وزاد من الطين بِلّه استعمال كلمة الثقافة حين يقصد الحضارة ، أو المدنية ، أو التمدّن .
ولنضرب على ذلك بعض الأمثلة ، ولنأخذ أولاً كتاب الدكتور طه حسين (1889 – 1973م) (( مستقبل الثقافة في مصر )) . فهذا الكتاب رغماً عن عنوانه ، هو تقرير عن التربية والتعليم ، والثقافة بمعناها الفني المحدّد لا يتناولها الكتاب إلاّ في سُبْعه الأول ، عندما يُقرّر المؤلف أن تراث مصر يُشكّل جزءاً من تُراث البحر المتوسط والغربي ، لا من تُراث الشرق .
ولكن طه حسين يستعمل كلمة الثقافة في الكتاب كله ، مع أن الظاهر أنه يقصد التربية والتعليم ، فمن ذلك توصيته إعطاء الطلاّب الذين يتركون المدرسة قبل إكمال الدراسة دروساً سهلة في المساء حتى يتمكّنوا من (( المضي في الثقافة على مهل )) ، ويشير إلى إنتهاء الرقابة الأجنبية (البريطانية) على التعليم في مصر فيقول : (( أصبحت اللغة العربية لغة الثقافة )) ، ويوصي الدكتور طه حسين أن تتولى مصر شيئاً من المسؤولية في نشر التعليم في البلاد العربية ويقول : (( هذا التوسّع في إذاعة الثقافة خارج حدود الدولة المصرية ، على حين أنها في أشدّ الحاجة إلى إذاعة الثقافة داخل هذه الحدود )) .
ومثل آخر على الغموض يرجع إلى مَجمع اللغة العربية نفسه ، فقد نشرت لجنة الأدب والفنون الجميلة بعض المصطلحات لمنفعة (( جمهور المثقفين والمشتغلين باللغة العربية )) ، وظاهر أن المقصود بقول اللجنة (( جمهور المثقفين )) هو جمهور المتعلمين نعليماً كافياً ، وكان يجدر باللجنة على كل حال أن لا تميّز بين هؤلاء وبين (( المشتغلين باللغة العربية )) لأسباب لا تحتاج إلى بيان .
وهذا مثل آخر . جاء في (( السِّجل الثقافي )) لوزارة المعارف المصرية ذكر كتاب عنوانه (( الثقافة الزراعية : بحوث مبسطة علمية وعملية في فنون الزراعة )) . فهنا جعلت الثقافة فرعاً من فروع التعليم . وكل ما يلزم للاعراب عن المقصود أن يُقال (( فن الزراعة )) أو (( فنون الزراعة )) . ومثل ذلك تخصيص الثقافة بنوع من أنواع المعرفة ، فيقال (( ثقافة علمية )) أو (( ثقافة أدبية )) ؛ فقد وجد (( مجمع مصري للثقافة العلمية )) ونشر كتاب بعنوان : (( ثقافة الناقد الأدبي )) .
ولا حاجة إلى الاقتباس من الصحف والمجلات والدَّوريات ، للتدليل على ما أصاب كلمة " ثقافة " على يد كتّابها من سوء ، ويكفي أن أختم هذه الأمثلة بذكر محاولة الأستاذ أحمد حسن الزيَّات (1885 – 1968م) انقاذ كلمة الثقافة من هذا السوء ، فقد قرأ على مَجمع اللغة العربية في القاهرة مقالة عنوانها : (( حقّ المحدثين في الوضع اللغوي )) وقدّم للجميع بعد ذلك نحو خمسين كلمة تستعمل لمعان غير قاموسية ، وكانت كلمة الثقافة أحدها .
وقد وافق المجمع على استعمالها كما اقترح الزيَّات ، وهذه صورة الموافقة : (( الثقافة مصدر ثقف : صار حاذقاً ، والمحدثون يستعملونها اسماً من التثقيف وهو التعليم والتهذيب ، ومنه قول القائل لولا تثقيفك وتوفيقك لما كنت شيئاً ، فهي عندهم تقابل لفظ Culture عند الإفرنج )) .
فهل هذا حلّ لللمسألة ؛ أو إرشاد للكتَّاب ؟ بالطبع لا . فالمعنى الواضح لهذا القرار هو (( ثابروا على ما أنتم فيه من عدم التمييز بين التعليم والتهذيب والتربية والثقافة وكل ما يشتق من كلّ منها )) . هذا مع أن القرار لم يذكر كلمة التربية ، واكتفى بكلمة التعليم ، لسبب غير ظاهر .
ولعل من ترجم اسم منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة من الانجليزية أو الفرنسية ، كان أكثر توفيقاً من المجمع اللغوي ، فقد أبقى التربية مستقلة عن الثقافة ، وبذلك ميَّز بينهما تمييزاً لا غنى عنه . ولكن رغماً عن هذا فالاستعمال لا زال غير دقيق ، ومعاني الاصطلاحات المذكورة تدور في دائرة كما تدور القواميس : تعليم معناها ثقافة ، وثقافة معناها تهذيب ، وتهذيب معناها تربية ، وتربية معناها تعليم ، وهكذا إلى ما لا نهاية ..
الثقافة اصطلاحاً هي أسلوب الحياة إجمالاً ، أي هي النظام الاجتماعي وما له من معتقدات وعادات . والتربية والتعليم هي واسطة من وسائط المحافظة على الثقافة وإيراثها من السَّلف إلى الخَلَف ، أي أن الثقافة هي ملك مشترك ، والتعليم ملك فردي .
وأرجع الدكتور منصور فهمي (1886 – 1959م) شيوع استعمال كلمة ثقافة ، إلى رغبة في إيجاد مقابل في لغتنا ، للكلمة الألمانية الاصطلاحية (( كولْتور )) ولكنه لم يقل أن هذه الكلمة لها معنى واضح محدود في اللغة الألمانية ، وأن هذا المعنى قد انتقل مع الكلمة إلى عدد من اللغات الأوروبية ، لوجود شبه في الاشتقاق بينهما .
=== مفهوم الثقافة العربية ===
والأمر على خلاف ذلك في اللغة العربية ، ففيها كلمة أصيلة ، لها معنى واضح على وجه الحقيقة ووجه المجاز ، ، ولا دخل للكلمة الألمانية ، ولا لمعناها فيه ، فلا الكلمة ولا معناها انتقلا إلى العربية ، وكل ما هنالك أن بعض من تعلموا لغات الغرب من العرب أخذوا يترجمون عنها ، وأن الترجمة لم تكن دائماً موفّقة ، وأن بعض التشويش الموجود عند كتّاب الانجليز مثلاً في استعمال كلمة (تعليم) و(تهذيب) و(مدنية) و(ثقافة) قد انتقل إلى اللغة العربية ، ويظهر هذا التشويش جلياً في بعض ما كتبه سلامة موسى (1888 – 1958م) ، فقد قال في كلمة نشرتها مجلة ( العصور ) إن الثقافة والمَدَنية نظيران ، وأن الحضارة تجمع الثقافة والمدَنية . ومثل ذلك ما كتبه الدكتور عبد الرحمن شهبندر (1879 – 1940م) : (( لا ثقافة يعتدُّ بها حيث لا حضارة )) . فالرأيان لا يثبتان بعد التحقيق والنَّظر .
ولكن لا بدّ لفهم تطوّر معنى كلمة ثقافة ، ووصوله إلى حالة الغموض والتشويش التي وصلها ، من البدء بالقاموس . ففي ( لسان العرب ) مثلاً قوله : ثَقُفَ الرجل ثَقافةً أي صار حاذقاً فطِناً ، وفيه أيضاً ثقّفه تثقيفاً أي قوَّم عِوجَه ، وأصل ذلك للرماح ، ثن أستعير فصار للتقويم الخلقي ، كما في قول السيدة عائشة تَصف أباها : (( وأقام أوَدَه بثِقافه )) .
أما القواميس الحديثة ، سواء منها ما ألّفه علماء من العرب كبطرس البستاني (1819 – 1883م) ، وسعيد الخوري الشرتوني (1849 – 1912م) ، وما ألّفه علماء من المستشرقين كراينهارت دوزي R.Dozy (1820 – 1883م) ، وأدورد وليم لين E.W.Lane (1801 – 1876م) فإنها تُجيز الاستعارة ، فتقول ثقَّف الولد تثقيفاً أي هذَّبَه وعلَّمه .
وهذا منشأ التعميم بعد التخصيص ؛ فالتثقيف ، والتهذيب ، والتأديب ، والتعليم ، والتربية ، أخذت تظهر في آثار الكتَّاب كأنها من المترادفات ، فزاد ذلك في التشويش وقلّة . وزاد من الطين بِلّه استعمال كلمة الثقافة حين يقصد الحضارة ، أو المدنية ، أو التمدّن .
ولنضرب على ذلك بعض الأمثلة ، ولنأخذ أولاً كتاب الدكتور طه حسين (1889 – 1973م) (( مستقبل الثقافة في مصر )) . فهذا الكتاب رغماً عن عنوانه ، هو تقرير عن التربية والتعليم ، والثقافة بمعناها الفني المحدّد لا يتناولها الكتاب إلاّ في سُبْعه الأول ، عندما يُقرّر المؤلف أن تراث مصر يُشكّل جزءاً من تُراث البحر المتوسط والغربي ، لا من تُراث الشرق .
ولكن طه حسين يستعمل كلمة الثقافة في الكتاب كله ، مع أن الظاهر أنه يقصد التربية والتعليم ، فمن ذلك توصيته إعطاء الطلاّب الذين يتركون المدرسة قبل إكمال الدراسة دروساً سهلة في المساء حتى يتمكّنوا من (( المضي في الثقافة على مهل )) ، ويشير إلى إنتهاء الرقابة الأجنبية (البريطانية) على التعليم في مصر فيقول : (( أصبحت اللغة العربية لغة الثقافة )) ، ويوصي الدكتور طه حسين أن تتولى مصر شيئاً من المسؤولية في نشر التعليم في البلاد العربية ويقول : (( هذا التوسّع في إذاعة الثقافة خارج حدود الدولة المصرية ، على حين أنها في أشدّ الحاجة إلى إذاعة الثقافة داخل هذه الحدود )) .
ومثل آخر على الغموض يرجع إلى مَجمع اللغة العربية نفسه ، فقد نشرت لجنة الأدب والفنون الجميلة بعض المصطلحات لمنفعة (( جمهور المثقفين والمشتغلين باللغة العربية )) ، وظاهر أن المقصود بقول اللجنة (( جمهور المثقفين )) هو جمهور المتعلمين نعليماً كافياً ، وكان يجدر باللجنة على كل حال أن لا تميّز بين هؤلاء وبين (( المشتغلين باللغة العربية )) لأسباب لا تحتاج إلى بيان .
وهذا مثل آخر . جاء في (( السِّجل الثقافي )) لوزارة المعارف المصرية ذكر كتاب عنوانه (( الثقافة الزراعية : بحوث مبسطة علمية وعملية في فنون الزراعة )) . فهنا جعلت الثقافة فرعاً من فروع التعليم . وكل ما يلزم للاعراب عن المقصود أن يُقال (( فن الزراعة )) أو (( فنون الزراعة )) . ومثل ذلك تخصيص الثقافة بنوع من أنواع المعرفة ، فيقال (( ثقافة علمية )) أو (( ثقافة أدبية )) ؛ فقد وجد (( مجمع مصري للثقافة العلمية )) ونشر كتاب بعنوان : (( ثقافة الناقد الأدبي )) .
ولا حاجة إلى الاقتباس من الصحف والمجلات والدَّوريات ، للتدليل على ما أصاب كلمة " ثقافة " على يد كتّابها من سوء ، ويكفي أن أختم هذه الأمثلة بذكر محاولة الأستاذ أحمد حسن الزيَّات (1885 – 1968م) انقاذ كلمة الثقافة من هذا السوء ، فقد قرأ على مَجمع اللغة العربية في القاهرة مقالة عنوانها : (( حقّ المحدثين في الوضع اللغوي )) وقدّم للجميع بعد ذلك نحو خمسين كلمة تستعمل لمعان غير قاموسية ، وكانت كلمة الثقافة أحدها .
وقد وافق المجمع على استعمالها كما اقترح الزيَّات ، وهذه صورة الموافقة : (( الثقافة مصدر ثقف : صار حاذقاً ، والمحدثون يستعملونها اسماً من التثقيف وهو التعليم والتهذيب ، ومنه قول القائل لولا تثقيفك وتوفيقك لما كنت شيئاً ، فهي عندهم تقابل لفظ Culture عند الإفرنج )) .
فهل هذا حلّ لللمسألة ؛ أو إرشاد للكتَّاب ؟ بالطبع لا . فالمعنى الواضح لهذا القرار هو (( ثابروا على ما أنتم فيه من عدم التمييز بين التعليم والتهذيب والتربية والثقافة وكل ما يشتق من كلّ منها )) . هذا مع أن القرار لم يذكر كلمة التربية ، واكتفى بكلمة التعليم ، لسبب غير ظاهر .
ولعل من ترجم اسم منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة من الانجليزية أو الفرنسية ، كان أكثر توفيقاً من المجمع اللغوي ، فقد أبقى التربية مستقلة عن الثقافة ، وبذلك ميَّز بينهما تمييزاً لا غنى عنه . ولكن رغماً عن هذا فالاستعمال لا زال غير دقيق ، ومعاني الاصطلاحات المذكورة تدور في دائرة كما تدور القواميس : تعليم معناها ثقافة ، وثقافة معناها تهذيب ، وتهذيب معناها تربية ، وتربية معناها تعليم ، وهكذا إلى ما لا نهاية ..
sourceويكيبيديا - أحدث التغييرات [ar] http://ift.tt/1A73uRS
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق